
من أين جاء «تيك توك»؟
بمجرد ما أدرك الأوروبيون أن نشاط تطبيق الـ«تيك توك» قد بلغ 150 مليون مشترك شهريا، حتى بدأت الشركة الصينية في البحث عن مراكز لإنشاء وحدات ضخمة، لتخزين البيانات، في بعض المدن الأوروبية.
وبلغة الاقتصاد والأعمال، فهذا يعني أن الشركة تبحث عن استثمارات مستقبلية، خصوصا وأن شركات الإعلانات تدفع بسخاء في هذه المنصة، مقابل تراجع مخيف جدا لأرقام الإعلانات في القنوات التلفزية حول العالم.
بعض الأوساط العلمية الرائدة، في مجال التكنولوجيات الحديثة، تصف هذا التطبيق بأنه «فيروسي»، وتعتبره ذراعا للتوسع الصيني في أمريكا وأوروبا.
هذا الاستثمار الصيني الجديد، في الوسائط المعلوماتية، اعتبره متخصصون، حسب مقال في «آسيا تايمز»، تغيرا في الأهداف الصينية، سيما بعد إنفاق الصين لما يزيد على «تريليون» دولار أمريكي، لبناء شبكة من مشاريع البنيات التحتية في عدد من الدول التي تعتبر أسواقا ناشئة. وحسب بيانات البنك الدولي، فإن أغلب الدول المدينة للصين أصبحت عاجزة تماما وتحت رحمة قيود تلك الديون.
هذه التقارير رصدت أن التمويل الصيني تراجع كثيرا أخيرا، وأن بعض المشاريع القائمة في تلك الدول بتمويل صيني لم تحقق المرجو منها، وهو ما يعني أن الدول التي استقبلت تلك المشاريع أصبحت غارقة في الديون الصينية أكثر من أي وقت مضى.
«آسيا تايمز» تقول إن بعض هذه الدول قد بدأت تتمرد على الوجود الصيني في باحتها الخلفية. ونظرا إلى تراجع التوقعات الاقتصادية العالمية، فإن الوقت قد حان لطرح الأسئلة بخصوص مستقبل مبادرة الحزام، وكيف يمكن للصين أن تركز جهودها في السياسة الخارجية مستقبلا.
ورغم أن صحيفة «وول ستريت جورنال» الرائدة كتبت في تقرير لها أن العديد من المشاريع التابعة للمبادرة الصينية، في كل من الإكوادور وزامبيا، شهدت عيوبا كثيرة في البناء.
هذه المبادرة كانت وراء النفوذ الصيني في الأسواق الناشئة من آسيا إلى أمريكا الجنوبية، وكانت سنة 2010 تمثل قمة نجاح المبادرة واكتساحها للسوق الدولية.
هذه التقارير تقول إن الطريقة الوحيدة لفهم ما يقع في العالم من تطورات وإقبال كبير على سوق الهواتف النقالة والتطبيقات الاجتماعية، التي يضع فيها الناس حياتهم الخاصة رهن إشارة الملايين عبر العالم، ليست إلا تجسيدا للتوجه الصيني الجديد في الاستثمار، وهو ما يفسر الشعبية الكبيرة التي يحظى بها تطبيق «تيك توك» هذه الأيام.
الذين يلجون يوميا إلى هذا التطبيق «العجيب»، المتسبب في سجن عدد من مستخدميه بتهم تتعلق بالنصب على المتابعين أو الإخلال بالأدب العام ومخالفة قوانين الدول التي يعيشون فيها، ليسوا سوى أرقام في سوق الاستثمار الصيني الجديد.
هناك مؤشرات الآن تؤكد أن سرعة انتشار التطبيق ترشحه بقوة لمضاعفة مستخدميه حول العالم بسرعة رهيبة، وهو ما يعني أننا سوف نكون أمام مفاجآت جديدة. إذ إن استعمال القاصرين لهذا التطبيق حول العالم، تسبب في مشاكل اجتماعية لا حصر لها، بدءا بخلق معضلة كبيرة في أدبيات وقوانين التعليم، وصولا إلى المشاكل الاجتماعية.
وصول هذا التطبيق إلى قمة التطبيقات الأكثر استعمالا في العالم، يعني نجاح الخطة الاقتصادية الصينية التي أطلقت سنة 2010، والتي قال عنها الرئيس الصيني حينها، «شي جين بينغ»، إن من شأنها أن تعيد رسم خريطة العالم وتضع الصين في مركزه.
ها هي الصين، بعد 13 سنة على هذه النبوءة، تكتسح أوروبا بتطبيق مثير للجدل، يستعمله أزيد من مليار مستخدم حول العالم، يضعون فيه تفاصيل حياتهم، لتصبح معلنة أمام هذا الرقم المخيف. وها نحن نرى كيف أن هذا التطبيق أصبح الراعي الرسمي للنقاشات الاجتماعية، مهما كانت سطحية. وبدل أن تحتضنها الصحافة والرأي العام، أصبحت مباراة ملاكمة حرة في «تيك توك»، تارة بين الشيوخ والطبيب الفايد، وتارة أخرى بين المغنين مع بعضهم البعض، وأحيانا كثيرة بين أشخاص عاديين، لكن يتابعهم الملايين.
وبينما أنت تتابع معركة من هذه المعارك، تصادف عينك كل أنواع الإشهارات، من إعلانات العقار والسيارات، وصولا إلى إعلانات مراهم إزالة الكلف من بشرة الأطفال.
يونس جنوحي