الملك والشاه

كل المواقع الدولية المتخصصة في التسلح والسياسات الاستراتيجية تطرقت إلى موضوع الاهتمام الإيراني بمنطقة المغرب وحذرت من تمويل طهران للبوليساريو بوساطة جزائرية.

وبدل أن نطرح السؤال عن طائرات «الدرون» المُسيرة التي قدمتها طهران للجزائر، يجب أن نسأل أولا من باع للإيرانيين الوهم بشأن ما يحدث في الصحراء. إذ لا يعقل أن يُمول تنظيم من طرف دولة ما، دون أن يكون هذا التنظيم موجودا في المنطقة التي يفترض أنه في نزاع حولها مع الدولة المغربية.

سبق للأمريكيين، الذين يعرفون المنطقة جيدا بالمناسبة، أن أعدوا تقريرا سنة 1982، عن علاقة المغرب وإيران، عنوانه «King Hassan and the Shah» وخلصوا في صفحاته المئة، إلى أن اللقاءات والمراسلات بين شاه إيران والملك الراحل كانت في أيامها الأخيرة، في بداية 1979، جلسات للنصح قدمها الملك الحسن الثاني لشاه إيران، حيث نصحه أن يقلل مظاهر البذخ التي كان يعيشها، لكن المعارضة كانت أسرع منه، فقامت الثورة الإسلامية التي أطاحت به.

كما أن العلاقة بين الملك الحسن الثاني والشاه أثمرت في منح المغرب الأفضلية خلال دورات القمة العربية والإسلامية، إذ لولا الصداقة التي جمعت المغرب بإيران، لما عقدت دورات مناقشة تطورات الصراع العربي الإسرائيلي.

دبلوماسيون مغاربة كبار من طينة عبد الهادي التازي وعبد الهادي بوطالب، وأحمد العراقي، كلهم سبق لهم نقل رسائل سرية من الملك الراحل الحسن الثاني إلى شاه إيران في عز الصراع العربي الإسرائيلي، ونجحوا في ثني الشاه عن تعميق الهوة بين إيران الليبرالية والمملكة العربية السعودية والعراق وسوريا.

وهؤلاء الدبلوماسيون المغاربة قضوا ساعات طويلة في التنقل بين طهران والرياض عند بداية سبعينيات القرن الماضي، لإحداث نوع من التوافق حتى يتمكن الشاه من التعايش مع محيطه.

لكن عندما قامت الثورة الإسلامية، أول ما قامت به إيران أنها دخلت في حرب دموية طويلة الأمد مع العراق، وقطعت العلاقات بشكل كلي مع عدد من الدول العربية.

وبقية القصة صارت معروفة، خصوصا عندما أعلن الملك الراحل الحسن الثاني أنه مستعد لاستضافة الشاه بعد أن غادر طهران ساعات قبل سقوطها في يد أنصار الثورة الإسلامية.

والطائرة التابعة للخطوط الجوية الفرنسية، التي أقلت الخميني لكي يحكم إيران، تابع العالم أجمع نزولها في مدرج طهران، ولم يكن أحد في حاجة إلى دليل لكي يصدق تواطئ المخابرات الفرنسية في حياكة سيناريو إسقاط نظام الشاه.

الغريب اليوم أن فرنسا على رأس لائحة الدول المنددة بما يقع في إيران من تجاوزات، بل وتمنح اللجوء بسخاء لكل الفارين من نظام الثورة الإسلامية وتضع مراكزها الثقافية رهن إشارتهم. إذ أن ممارسة بعض الفنون يبقى أمرا ممنوعا في إيران، مثل الرقص التعبيري أو الدعوات إلى المناصفة والعدالة الاجتماعية وتمكين النساء من حقوقهن الأساسية.

إيران اليوم، بالنسبة للغرب، دولة إرهابية، اكتشف العالم أنها قطعت أشواطا كبرى في تصنيع الرؤوس النووية وتطوير أسلحة ملاحة أخرى تتعلق بالتجسس.

عندما كان الشاه يحكم إيران، كان هناك انفتاح كبير على الغرب، حتى أن أكبر تجمعات الفنانين ونجوم السينما العالميين، كانت تجري في طهران. وأكبر الحفلات الموسيقية لنجوم الستينيات والسبعينيات جرت في إيران، حيث كانت المسارح ودور السينما يفوق عددها عدد الإدارات.

وعندما جاءت الثورة الإسلامية تهدم كل شيء. وكان أول من حذر مما يقع في إيران هو الملك الحسن الثاني الذي واجه الخميني في خطابات ملكية بشكل مباشر، واعتبر ما جرى في طهران خطرا لا بد وأنه سوف يهدد مستقبل دول عربية وإسلامية كثيرة.

مضت أكثر من أربعين سنة على هذه الأحداث حتى الآن. وها نحن نرى كيف أن الإيرانيين، الذين أوصلتهم الثورة الإسلامية إلى الحكم، يتركون كل ما حولهم من تحديات، ويتفرغون لإرسال طائرات «الدرون» إلى المنطقة المغاربية لتمويل صراع لا يوجد إلا في المواقع الإخبارية الجزائرية.

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى