
قضية للحفظ
بعدما قضت أزيد من خمسين يوما في مطبخ لجنة التأديب، التابعة للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، أصدرت «الكاف» حكمها «البارد» في قضية «خطبة حفيد مانديلا»، إذ كان من الضروري أن تتدخل لجنة التأديب لتحتوي هذا الوضع الشاذ، بعدما لاحظت انتشار «موضة» الخطب العصماء في افتتاح الملتقيات الرياضية.
اشتكى المغرب من وجود كائن غريب على الرياضة في افتتاح دورة إفريقيا للمحليين، التي احتضنتها الجزائر، استغل الفرصة وزرع الألغام ووزع الأحقاد ثم انصرف غانما.
اشتكت الجزائر من غياب المنتخب المغربي وما ترتب عنه من اضطراب في برنامج المسابقات.
اشتكى المغرب من منع سلطات الجزائر طائرة المنتخب المغربي من السفر في رحلة مباشرة إلى قسنطينة.
واشتكت الجزائر من رفض المغرب لصيغة توافقية لتفادي خرق قرار إغلاق المجال الجوي.
طالبت الجزائر بفرض عقوبات مالية على المغرب ومنعه من المشاركة في النسختين القادمتين من «الشان»، واستندت إلى تصريح لرئيس «الكاف» موتسيبي قال فيه: «سنطبق القانون حرفيا».
خلال تواجده في الجزائر، فوجئ موتسيبي بحفل على شرفه كانت المناسبة عيد ميلاده، سلموه سكينا ووضعوا أمامه قطعة حلوى عبارة عن خريطة إفريقيا ثم طلبوا منه تمزيقها، لكنه لم يفعل.
حتى في أعياد الميلاد، إصرار على استعمال خلطة السياسة بالرياضة، ووضع خارطة مبتورة للمغرب، لكن الحيلة لم تنطل على موتسيبي فاعتذر بلباقة.
وضعت الجزائر «الكاف» في موقف حرج، فالرئيس جنوب إفريقي ورئيس اللجنة التأديبية جنوب إفريقي والمتهم حفيد مانديلا جنوب إفريقي وكاتب المحضر جنوب إفريقي، هي محاكمة كان من الأجدى نقلها إلى بريتوريا.
لذا أصدر الاتحاد الإفريقي بيانا بصيغة «لا غالب ولا مغلوب»، وقالت لجنة التأديب في حيثيات القرار: «بعد فحص شامل لجميع العناصر والأدلة المتاحة في الشكوى، قررت هيئة المحلفين التأديبية في «الكاف» عدم تحميل أي مسؤولية للاتحاد الجزائري لكرة القدم بسبب خطاب حفيد مانديلا في افتتاح «الشان». أما الجامعة الملكية المغربية فلم تكن قادرة على السفر والمشاركة في «الشان» بسبب ظروف خارجة عن إرادتها تماما، وبالتالي لا توجد عقوبة على الإطلاق».
نبهت لجنة الانضباط الجزائر إلى خطورة الخطاب السياسي في ملاعب الكرة، كما ذكرت اللجنة جميع الاتحادات الوطنية بأن المسؤولية الصارمة قد يتم تطبيقها في المستقبل.
هل جاء الحكم عكس المداولة؟
لماذا قال بيان «الكاف» إن تطبيق القوانين بكل صرامة مؤجل إلى ما بعد هذه النازلة؟
هل أراد موتسيبي ودائرته تفادي الاصطدام بحفيد مانديلا؟
يعرف موتسيبي أكثر من غيره ما ينتظره لو أنزل عقوبات على الجزائر بسبب الحفيد «الصايع». لا يريد رئيس «الكاف» أن يتورط في صراع جانبي مع فتى بدون فرامل، رئيس «الكاف» رجل قانون ويعرف أن الاعتراف سيد الأدلة، ويعلم أنه كان شاهدا على ما قاله الحفيد وما عاشه المنتخب المحلي في مطار سلا. يعرف أن الملف جاهز ليس للحكم بل للحفظ، اتقاء شر ما خلق.
علمتنا هذه القضية كيف نتأهب مرة للمباريات ونتأهب مرتين للمناورات السياسية، كشفت لنا نازلة ملعب نيلسون مانديلا عن مكر الكرة عن حشوها بالهواء الفاسد وتحويلها إلى عبوة ناسفة.
أما الحفيد زارع الفتن، الذي وعد الجزائر بممارسة سلطاته على موتسيبي ليصدر قرارا بمنع المغرب من المشاركة في التظاهرات القارية، فقد نسي وعده وعاد إلى هوايته القديمة، كما نسي الجزائريون وعدهم بإطلاق اسم الحفيد على الشارع المؤدي إلى الملعب.
لم يكن الناس ليعرفوا العدل لو لم يكن هناك ظلم، ولا أحد ينتصر لقضيتك سواك، كن أنت المحامي والقاضي إذا أردت كسب النزال.
حسن البصري