الطابور

في زمن مضى كان للفرجة أكشاك لبيع التذاكر، في الملاعب والمسارح ودور السينما وحدائق الحيوانات والمسابح، وكل فضاءات الترويح. فجأة اختفى باعة التذاكر وأغلقت الأكشاك ومضى كل إلى غايته لأن الوضع شاء.

بالأمس كان جارنا عبد العاطي محاطا بهالة وهو يجلس وحيدا في المقهى ليحتسي قهوته السوداء، ولأنه يشغل منصب بائع تذاكر في أكشاك «سطاد دونور»، فهذه الصفة تجلب له التوقير والاحترام، وتجعل الناس تحت رحمته مرة كل أسبوع.

حين اختفى الرجل وأحيل على التقاعد، كشف عن السلم الوظيفي المهترئ الذي تحمله سنوات، وأسر لمقربيه بالمكانة الاعتبارية التي كان يحظى بها حين كان بائع تذاكر مفوضا من الجماعة الحضرية للدار البيضاء.

لا يتابع عبد العاطي مباريات الوداد والرجاء والمنتخب من مدرجات الملعب الشرفي، حين يغلق كشكه وتنفد تذاكره، يقدم الحساب للمسؤول المالي، ويركب دراجته النارية عائدا إلى المقهى.

في لحظة استرخاء في أريكة مقهاه المفضلة، تخلص فيها عبد العاطي من تقاسيمه الصارمة، سألته عن «المارشي نوار» وقلت له بنبرة خافتة: ألم تفكر في دخول سوق التذاكر من جديد كبائع؟

امتدت أصابعه التي قضت سنوات في قص التذاكر، للقهوة مليا ثم استنشق رائحتها ملء رئتيه قبل أن يرشف رشفة عميقة، فكان الجواب بالرفض.

وبلغة الخبير في ترويج التذاكر، تحدث عبد العاطي عن شبكات ترويج التذاكر في السوق السوداء، واستند إلى مباراة المنتخب المغربي أمام نظيره البرازيلي، حيث لم يمض سوى وقت قصير على فتح باب التسوق حتى تم الإعلان عن نفاد تذاكر مباراة ودية.

حين ظهرت علامة تشوير في موقع الجامعة تخبر الجماهير بنفاد التذاكر وتحذر من مغبة النقر المفضي لكسر عظام الهواتف الذكية، بدأت منشورات إعلانية تتناسل عبر وسائط التواصل الاجتماعي، تعرض تذاكر للبيع بأسعار فلكية.

قال عبد العاطي إن الطابور قدرنا: «لا تيأسوا من طول الطابور تسلحوا بما يكفي من الصبر وأنتم تتطلعون إلى مجراه البطيء، للطابور قانون يجب احترامه يمنع التسلل ويفرض وجود «الصرف» ويحدد العدد المسموح به من الطلب، وأن تتحمل رائحة العرق والالتصاق البريء».

هكذا تصنعنا الطوابير سواء حين يتعلق الأمر بالحجز المباشر للتذاكر من أكشاكها، أو بالتسوق الرقمي، في الحالتين أنت مطلوب للمثول أمام كشك التذاكر وفي طابور غصبا عنك.

لا أحد يستطيع الإجابة عن سؤال حير خبراء البورصة: كيف تبيع ستين ألف تذكرة في عشر دقائق؟

لكن السؤال الأكثر حيرة هو كيف لمواطن مغربي يقضي يومه في التشكي من الغلاء والبكاء على ناصية الأسواق، أن يبدي استعداده لاقتناء تذكرة ولوج الملعب بأضعاف أضعافها؟

من المواقف الطريفة التي تصادفك وأنت تركض وراء «قطاع التذاكر»، أن يعلن رئيس جمعية لحماية المستهلك استعداده لاقتناء تذكرة مباراة مهما ارتفع ثمنها وعلا.

ومن أكثر المواقف قساوة، أن يتاجر «صحافيون» بـ«بادجاتهم» على سبيل الكراء، لمن يسعى إلى فرجة من منصة الصحافة، سجل أيها الناطق الرسمي.

بعد الجدل الذي كان قائما حول أسعار التذاكر المرتفعة الخاصة بأحد عروض الفنان الكوميدي جاد المالح بالمغرب، علق هذا الأخير بأسلوب ساخر على دخول العرض مجال السوق السوداء، قائلا: «سأقول الحقيقة، وسأوجه كلامي للأشخاص الذين سيشترون التذاكر في السوق السوداء بـ5000 درهم، أعرف عرضي جيدا، إنه لا يستحق هذا الثمن».

حين انتظرنا متابعة المتاجرين في تذاكر المونديال، وجاءتنا بشرى اقتيادهم في طابور البؤساء إلى المساءلة، ظهر متاجرون جدد منهم من لازال «سوق واقف» شاهدا على غزواته، ومنهم من يدخل  السوق وعلى ظهره علامة الـ90 كالسيارات التي يقودها مبتدئ في القيادة، لكن لديهم جميعهم استعداد رهيب للتشبع بفكر «طوابيريوس».

حسن البصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى