دبلوماسية المنتخب

من المفارقات الغريبة أن تتزامن المباراة الودية بين المغرب والبيرو مع ذكرى مرور سنة على انتفاضة الغضب في هذا البلد. تلك الانتفاضة التي نجحت في تغيير قادة البلد، دون أن تنجح في تغيير عقلياتهم. قبل المباراة تقاطر مشجعون بيروفيون على مقر إقامة منتخب بلادهم، فتعرضوا للضرب من طرف الشرطة الإسبانية، كان نصيب بعض اللاعبين الذين انضموا إلى المشجعين حصصا من الجلد.

في صحيفة «لاراسون» البيروفية تناول الصحافي والمحلل السياسي ريكاردو سانشيز سيرا، الوجه السياسي للمباراة الودية بين البيرو والمغرب. وقال إن قبول المنتخب المغربي المصنف من بين العشرة الأوائل عالميا، إجراء مباراة تحضيرية مع منتخب يحتل الرتبة الحادية والعشرين في التصنيف العالمي لـ«الفيفا»، يعتبر تنازلا من المغرب وتواضعا من رابع قوة كروية في المونديال.

وجه المحلل السياسي ريكاردو أصابع الاتهام لحكومة بلده، وسخر من موقفها في قضية الصحراء المغربية، حين اعتنقت الموقف المغربي وبعد شهر عادت إلى ملتها القديمة وارتمت في حضن الجزائر بسبب تعبئة غاز، معرضة البيرو لـ«سخرية وطنية ودولية، ضاربة عرض الحائط خطة الحكم الذاتي الجادة والواقعية»، يقول سيرا.

استغرب الرجل من موقف الخارجية البيروفية، وتساءل عن قدرتها على التحرك عن بعد تحت مسمى مبادئ إيديولوجية عفا عنها الزمن وتنصل. وقال إن الكرة هي الأداة الدبلوماسية الوحيدة التي تلغي مواقف السياسيين في تسعين دقيقة وتجعلهم ينسون خطبهم، معتبرا اصطفاف حكومة بلده مع الجزائر «ليس مجرد خطأ فادح، بل إنه يفتقد إلى كرامة البلد».

قال سانشيز إن المغرب بلد مؤثر للغاية في العالم العربي والإفريقي، كما إنه حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، وأول من اعترف بها، بينما تفضل البيرو العيش في عزلتها، «نحن جبناء، لأننا نفتقر إلى سياسة خارجية قوية تجعلنا نحترم الآخرين. لقد استغرقنا وقتا طويلا لوضع دول غير محترمة في مكانها. دعونا نأمل أن تكون مباراة كرة القدم بين البيرو والمغرب ضوءا ينير حكامنا».

سكب السياسيون البيروفيون حبرا غزيرا على المباراة الودية بين المغرب والبيرو، وذهب وزير خارجية البيرو الأسبق ميغيل أنخيل رودريغيز، في عمود على صحيفة «إكبيرسو» تحت عنوان «الدرس المستخلص من الدعم الكبير من الولايات المتحدة للمغرب»، إلى حد وصف الدبلوماسية البيروفية بـ«الغارقة في الارتباك»، ويخشى من تسلل غياب الانسجام لخطط مدرب بلاده. «لقد وصلت علاقاتنا مع المغرب إلى مرحلة التصدع، بسبب انعدام الثقة، أمامنا أكثر من فرصة لتصحيح الأخطاء».

في غشت 2022 صححت البيرو موقفها واقتنعت أن مساندة كيان وهمي تضر بالبلد، وتتعارض مع القانون الدولي، لكن سرعان ما عادت حليمة إلى رقصتها القديمة وتنصلت من التزامات حكومية، وتبين أن «اللي تسحر مع الدراري يصبح فاطر».

بالعودة إلى ملاعب الكرة، يتضح أن البيرو «شمتونا» في مونديال 1970، حين هزمونا بثلاثية، فقد كانت كل المؤشرات تسير في اتجاه إلغاء المباراة، بسبب زلزال ضرب البيرو، حيث تقاطرت الوفود على بعثة المنتخب البيروفي تقدم العزاء وتعلن التضامن، نام اللاعبون المغاربة على وسادة إلغاء النزال أو تأجيله، لكن كوبياس، نجم المنتخب البيروفي، دعا زملاءه لخوض المباراة وإهداء الانتصار إلى شعب مكلوم.

شاءت الصدف أن يواجه المنتخب عناد البيرو السياسي، وينتظر مواجهة منتخب جنوب إفريقيا الداعم للانفصال، في انتظار ضربة موجعة في ملاعب الكرة للاهثين وراء الوهم الجزائري.

واجه المنتخب المغربي منتخبات دول تدين بالولاء لجمهورية الوهم، وتقتات من وعود برائحة الغاز، وفي نهاية المباراة يتسابق عبدة الأوهام نحو نجوم المنتخب الوطني بحثا عن قميص يحمل علم الوطن.

ما أحوجنا لمباريات ضد تجار الانفصال.

حسن البصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى