كونطر أطاك

كانت مباراة الوداد المغربي وشبيبة القبائل الجزائري حبلى بالحملات المضادة، حتى تحسب أن المباراة الحقيقية تدور في المدرجات بدل رقعة الملعب.

لم ينس الوداديون إصرار الجزائريين على منع العلم المغربي من التحليق في ملعب خامس يوليوز، قبل انطلاق مباراة شبيبة القبائل والوداد، حين رفض الجزائريون رفع العلم المغربي، فأمرت «الكاف» بإنزال العلم الجزائري.

رد المغاربة الصاع صاعين فانتصبت خريطة المغرب العملاقة في صفحة المدرجات المعفاة من الفرجة، عن يمينها وعن يسارها علم المملكة. حينها أجبر ملايين الجزائريين الذين تابعوا المباراة على مشاهدة الخريطة الحقيقية للمغرب، والتي يهوى النظام الجزائري بترها.

درس الوطنية لم ينته، فقد كشف فصيل ألتراس «وينرز»، المساند للوداد، عن «تيفو» من باب ذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين، من خلال لوحة حملت شعارين: «علمنا في السماء»، «أحمر كالدماء»، أكدا مكانة العلم الوطني في وجدان المغاربة. لم يذكر مناصرو الوداد بالنجمة الخضراء، لأن الأخضر لون الغريم، وإذا ظهر المعنى فلا فائدة في «الاخضرار»، يقول أحد صناع محتويات المدرجات.

قبل بدء المباراة، أقدم المكتب المسير للوداد على مبادرة تضامنية في شهر رمضان الفضيل، حيث قرر أن يكون دخول الجزائريين إلى الملعب بالمجان، شريطة إدلاء كل مشجع بجواز سفره، حينها تبين أن عشرات الجزائريين الذين حلوا بالمغرب لتشجيع فريقهم لا يملكون جوازات سفر جزائرية، وأنهم يتأبطون «باسبورات» فرنسية.

دخلوا الملعب دون الحاجة إلى تذكرة عبور، لأن الفرجة تهمهم وبدونهم لا تكتمل «الكونطر أطاك»، وحتى حين أصر لاعبو الفريق القبايلي على أخذ صورة مع العلم الجزائري، فقد كانوا ينفذون تعليمات الاستخبارات الجزائرية، التي جعلتهم يقتنعون أن العلم قبل الكرة أحيانا.

منذ وصول الفريق الجزائري إلى الدار البيضاء، وجدت البعثة في انتظارها حافلة الرجاء المغربي، وفي مساء اليوم الموالي تدرب الجزائريون في ملعب الرجاء، وقبل أن يخلدوا إلى النوم كتبوا رسالة شكر لمكتب الرجاء ولمستخدمي الرجاء وسائق الرجاء.

اعترف لاعب جزائري بأن توقف بعثة شبيبة القبائل الجزائري في تونس العاصمة، وهي في طريقها إلى الدار البيضاء، تحول إلى اجتماع بنفحة سياسية، فقد دعي اللاعبون إلى اجتماع طارئ برئاسة عزوز بعلال، سفير الجزائر في تونس، نفخ فيه ما تيسر من شحن، فحارت عناصر الفريق في أمرها بين خطة المدرب وخطة السفير.

انتهت المباراة بهزيمة الفريق الجزائري بثلاثية، وفهم الجزائريون المعنى الحقيقي لمنبت الأحرار، وفي طريق العودة إلى بلادهم توقفوا في تونس، وبحثوا عن السفير فلم يظهر له أثر.

لكن في مثل هذه المباريات ذات الضغط السياسي المرتفع، يركب رؤساء الفرق صهوة السياسة، فيلفون أجسادهم بالأعلام الوطنية، ويصرخون بأعلى أصواتهم مرددين النشيد الوطني، ويعطون تعليمات لمصوريهم لترويج اللحظة الحماسية المفعمة بالوطنية.

أغلب رؤساء الفرق المغربية كانوا أسماء نكرة في عالم الكرة، من كان يعرف ناصري الوداد، قبل أن يتولى أمر الفريق الأحمر؟

من كان يعرف بودريقة، قبل أن يصبح رئيسا للرجاء؟

من كان يعرف البدراوي، ومن كان يعرف هوار، ومن كان يعرف الغازي، ومن كان يعرف أسماء غزاة المشهد الكروي، إلا أهاليهم؟

 في مباراة الوداد وشبيبة القبائل، حلقت السياسة فوق ملعب مركب محمد الخامس، وأصبح تشجيع الوداد واجبا قوميا، وفوق المدرجات تناثرت رسائل إلى من يهمهم الأمر.

في مباراة الوداد وجه المنظمون لكمات من تحت الحزام لا يفهمها إلا الراسخون في الحلبات، ففي حضور خديجة المرضي، بطلة العالم للملاكمة، تذكير بفضيحة الملاكمة الجزائرية إيمان خليف، التي منعت من التباري، بسبب هرمونات ذكورية زائدة.

في اليوم العالمي للكذب، قال المغاربة للجزائريين: «لا تكذبوا ولا تستبدلوا أيمن بإيمان».

حسن البصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى